الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال ابن عاشور: والأجل هنا لما أضيف إلى ضمير النساء المطلقات علم أنه أجل معهود بالمضاف إليه، أعني أجل الانتظار وهو العدة، وهو التربص في الآية السابقة. وبلوغ الأجل: الوصول إليه، والمراد به هنا مشارفة الوصول إليه بإجماع العلماء؛ لأن الأجل إذا انقضى زال التخيير بين الإمساك والتسريح، وقد يطلق البلوغ على مشارفة الوصول ومقاربته، توسعًا أي مجازًا بالأوْل. وفي القاعدة الخامسة من الباب الثامن من مغني اللبيب أن العرب يعبرون بالفعل عن أمور: أحدها، وهو الكثير المتعارف عن حصول الفعل وهو الأصل. الثاني: عن مشارفته نحو {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 240] أي يقاربون الوفاة، لأنه حينَ الوصية. الثالث: إرادته نحو {إذا قمتم إلى الصلوات فاغسلوا} [المائدة: 6]. الرابع: القدرة عليه نحو {وعدًا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104] أي قادرين. والأجل في كلام العرب يطلق على المدة التي يمهل إليها الشخص في حدوث حادث معين، ومنه قولهم: ضرب له أجلًا {أيما الأجلين قضيت} [القصص: 28]. والمراد بالأجل هنا آخر المدة، لأن قوله: {فبلغن} مؤذن بأنه وصول بعد مسير إليه، وأسند {بلغن} إلى النساء لأنهن اللاتي ينتظرن انقضاء الأجل، ليخرجن من حبس العدة، وإن كان الأجل للرجال والنساء معًا، للأوَّلين توسعة للمراجعة، وللأخيرات تحديدًا للحِل للتزوج. وأضيف الأجل إلى ضمير النساء لهاته النكتة. اهـ. .قال أبو حيان: .قال الفخر: حجة الشافعي رضي الله عنه ما روي أن ابن عمر رضي الله عنه لما طلق زوجته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: «مره فليراجعها ثم ليمسكها» حتى تطهر أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالمراجعة مطلقًا، وقيل: درجات الأمر الجواز فنقول: إنه كان مأذونًا بالمراجعة في زمان الحيض، وما كان مأذونًا بالوطء في زمان الحيض فيلزم أن لا يكون الوطء رجعة وحجة أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه تعالى قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أمر بمجرد الإمساك، وإذا وطئها فقد أمسكها، فوجب أن يكون كافيًا، أما الشافعي رضي الله تعالى عنه فإنه لما قال: إنه لابد من الكلام، فظاهر مذهبه أن الإشهاد على الرجعة مستحب ولا يجب وبه قال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، وقال في الإملاء: هو واجب، وهو اختيار محمد بن جرير الطبري، والحجة فيه قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ولا يكون معروفًا إلا إذا عرفه الغير، وأجمعنا على أنه لا يجب عرفان غير الشاهد، فوجب أن يكون عرفان الشاهد واجبًا وأجاب الأولون بأن المراد بالمعروف هو المراعاة وإيصال الخير لا ما ذكرتم. اهـ. .قال ابن عاشور: أو لأن إعادة أحوال الإمساك والتسريح هنا ليبنى عليه النهي عن المضارة، والذي تخاف مضارته بمنزلة بعيدة عن أن يطلب منه الإحسان، فطلب منه الحق، وهو المعروف الذي عدم المضارة من فروعه، سواء في الإمساك أو في التسريح، ومضارة كل بما يناسبه. اهـ. .قال البقاعي: ولما كان التقدير: فمن يفعل ذلك فقد ظلم زوجه عطف عليه زيادة في التنفير عنه قوله: {ومن يفعل ذلك} أي الفعل البعيد عن الخير، وفي التعبير بالمضارع إشعار بأن في الأمة من يتمادى على فعله {فقد ظلم نفسه} أي بتعريضها لسخط الله عليه ونفرة الناس منه. اهـ. .قال ابن عاشور: على أن هذا العطف إن قلنا: إن المعروف في الإمساك حيثما تحقق انتفى الضرار، وحيثما انتفى المعروف تحقق الضرار، فيصير الضرار مساويًا لنقيض المعروف، فلنا أن نجعل نكتة العطف حينئذٍ لتأكيد حكم الإمساك بالمعروف: بطريقي إثبات ونفي، كأنه قيل: ولا تمسكوهن إلاّ بالمعروف، كما في قول السموأل: .قال الفخر: قال الفخر: أما قوله تعالى: {لّتَعْتَدُواْ} ففيه وجهان الأول: المراد لا تضاروهن فتكونوا معتدين، يعني فتكون عاقبة أمركم ذلك وهو كقوله: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أي فكان لهم وهي لام العاقبة والثاني: أن يكون المعنى: لا تضاروهن على قصد الاعتداء عليهن، فحينئذٍ تصيرون عصاة الله، وتكونون متعمدين قاصدين لتلك المعصية، ولا شك أن هذا أعظم أنواع المعاصي. اهـ. قال الفخر: أما قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ففيه وجوه أحدها: ظلم نفسه بتعريضها لعذاب الله وثانيها: ظلم نفسه بأن فوت عليها منافع الدنيا والدين، أما منافع الدنيا فإنه إذا اشتهر فيما بين الناس بهذه المعاملة القبيحة لا يرغب في التزوج به ولا معاملته أحد، وأما منافع الدين فالثواب الحاصل على حسن العشرة مع الأهل والثواب الحاصل على الانقياد لأحكام الله تعالى وتكاليفه. اهـ. .قال ابن عاشور: وظلم نفسه أيضًا بتعريضها لعقاب الله في الآخرة. اهـ. .قال البقاعي: .قال ابن عاشور: وآيات الله هي ما في القرآن من شرائع المراجعة نحو قوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] إلى قوله: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} [البقرة: 230]. والهزء بضمتين مصدر هزأ به إذا سخر ولعب، وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي لا تتخذوها مستهزأ به، ولما كان المخاطب بهذا المؤمنين، وقد علم أنهم لم يكونوا بالذين يستهزئون بالآيات، تعين أن الهزء مراد به مجازه وهو الاستخفاف وعدم الرعاية، لأن المستخف بالشيء المهم يعد لاستخفافه به، مع العلم بأهميته، كالساخر واللاعب. وهو تحذير للناس من التوصل بأحكام الشريعة إلى ما يخالف مراد الله، ومقاصد شرعه، ومن هذا التوصل المنهي عنه، ما يسمى بالحيل الشرعية بمعنى أنها جارية على صور صحيحة الظاهر، بمقتضى حكم الشرع، كمن يهب ماله لزوجه ليلة الحول ليتخلص من وجوب زكاته، ومن أبعد الأوصاف عنها الوصف بالشرعية. فالمخاطبون بهذه الآيات محذرون أن يجعلوا حكم الله في العدة، الذي قصد منه انتظار الندامة وتذكر حسن المعاشرة، لعلهما يحملان المطلق على إمساك زوجته حرصًا على بقاء المودة والرحمة، فيغيروا ذلك ويجعلوه وسيلة إلى زيادة النكاية، وتفاقم الشر والعداوة. وفي الموطأ أن رجلًا قال لابن عباس: إني طلقت امرأتي مائة طلقة فقال له ابن عباس بانت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزؤًا يريد أنه عمد إلى ما شرعه الله من عدد الطلاق، بحكمة توقع الندامة مرة أولى وثانية، فجعله سبب نكاية وتغليظ، حتى اعتقد أنه يضيق على نفسه المراجعة إذ جعله مائة. اهـ.
|